الخميس، 25 أكتوبر 2012

الام الكادحه


الام الكادحه

قبل الفجر، تستيقظ من نومها ، لتذهب الى عملها ، الذي اجبرت نفسها عليه ، وتمشي على مهل كي لا يصحى اولادها ، على صوت مشيتها ، وتتفقد الكل ، وتقول لابنتها الكبرى بصوت خافت ، ما يجب القيام به ، في غيابها وتغادر، الى ارض الله الواسعة ، كما كانت تقول ، اذ لا يستطيعوا اولادها ، ان يساعدوها في عملها ، كونهم في المدرسه ، وهذا العمل ، هو تعفير الزيتون ، الذي ارتضته عن قناعة ، كونها لا تحب احد ان يحكمها غير الله ، وكل طلبها ، ان تكون بحرية تامة ، تقعد ،وتمشي ، وتغني ساعة تشاء ، ولا تسأل عن احد ، وكان رفيقها كلب الجيران ، الذي احبته كثيرا ، لأنه كان حين ينزلون ، الى البرية يتقدمها ، الى حين ، ثم يعود ، وكانه يقول لها انه لا يوجد احد امامنا ،انت بأمان ، واذا كان يوجد كوع ، كان يقف هناك ، الى ان تصل اليه ، فتربت على رأسه فيهز بزيله فرحا ، وتكون هذه الحركة كمكافأة له ، ثم يعود الى التقدم ، الى ان يصلوا للمكان المقصود ، فاذا صعدت الى شجرة ربض تحتها ، الى ان تنزل عنها فيعود ، الى وضع المراقب ، والحارس بحيث يذهب ، الى البعيد ، وبشكل دائري ، لكي يعرف ، اذا ما يوجد احد ام لا ، وكانت تتقاسم معه الاكل ، والشرب وتحدثه ، وكانه احد الاصدقاء ، فتنهره تارة ، وتمدحه تارة اخرى ، ولا احد كان يعرف كيف تشكلت ، هذا العلاقة ، وحتى هي لم تعرف كيف حصل ذلك ، وفي طريق العودة ، كان يفعل ذات الفعل ، الذي فعله في الصباح ، وهذه العلاقه دامت ، لموسم زيتون واحد فقط ، لأن في الصيف فرض على صاحبه التخلص منه ، كونه لا يصلح بعد اليوم للتقرب من الناس ، ولكنها هي بقيت على عملها ، في المواسم القادمة، وكلما تذكرته ، كانت تناديه ، وكانه موجود معها .
وفي احد الايام اتت متأخرة ، على غير عادتها ، وهي تترنح ، ولا تعي شيئا تقريبا ، ودخلت بيتها ، وهي تأن من المها ووجعها ، الذي اصيبت به من جراء ، وقوعها عن احدى الزيتونات العالية ، ونتج عن ذلك شج في رأسها ، ورضوض كثيرة في جسدها ، مما ابقاها في البيت حوالي الاسبوع ، لا تستطيع عمل شيء ، ولكن حين شعرت ، بانها قوية شوي ، عادت الى حريتها ، التي كانت لا تجدها سوى في البرية ، التي تأخذ منها ، وتعطيها حتى ذاتها.
كم من النساء يعيشون هذه الحالة في كل الأزمنة وكل العصور ، وبعضهم لا يجدن من اولادهن سوى القسوة ، واللا مبالاة في اخر عمرهم ، وهذا ما يحزن كل ام تعمل ، وتكدح من اجل من لا يستحق ذلك ، ولكن هي لا تعرف ذلك سوى متأخرا ، الف الف الف تحية ، الى كل ام عاملة ، وكادحة في كل العالم ، الله يخلي الامهات لكي تصبح الدنيا اجمل . 




طرابلس في 21 \ 6 2008 

غسان رزق العلي

ليست هناك تعليقات:

الأحفاد يلعبون بالماء كامبريدج USA - صيف 2020

في كامبريدج اميركا 

فراشة على زهرة

فراشة على زهرة
من تصويري